• امروز : یکشنبه - 23 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Sunday - 12 May - 2024
0

وجود الصلة بين الحياتين الدنيوية والبرزخية

  • 05 رجب 1440 - 12:00
وجود الصلة بين الحياتين الدنيوية والبرزخية

  بحثنا سابقا عن أصلین: 1. انّ حقيقة الإنسان تكمن في روحه المجرّدة ونفسه الخالدة. 2. انّ الموت يمثّل عملية انتقال من مرحلة إلى أُخرى، ومن حياة إلى حياة أُخرى، ولا يعني بحال من الأحوال أنّه فناء وانعدام للإنسان بالكامل. وهانحن ننتقل إلى دراسة الأصل الثالث، الذي يحظى بأهمية كبيرة في مجال الدراسات العقيدية، إذ […]

 

بحثنا سابقا عن أصلین:

1. انّ حقيقة الإنسان تكمن في روحه المجرّدة ونفسه الخالدة.

2. انّ الموت يمثّل عملية انتقال من مرحلة إلى أُخرى، ومن حياة إلى حياة أُخرى، ولا يعني بحال من الأحوال أنّه فناء وانعدام للإنسان بالكامل.

وهانحن ننتقل إلى دراسة الأصل الثالث، الذي يحظى بأهمية كبيرة في مجال الدراسات العقيدية، إذ قد يتصوّر البعض أنّ بين الحياتين توجد موانع وأستار وحجب، تمنع من المشاهدة والسماع بين الدارين.

ومن الناحية المنهجية نحاول في هذا الأصل أن نصرف النظر عن تجارب الغربيين وآرائهم في هذا المجال، ونكتفي بدراسة المسألة من الزاويتين القرآنية والحديثية فقط، بالإضافة إلى بعض كلمات علماء المسلمين في هذا الصدد.

القرآن الكريم والصلة بين الحياتين

لقد سلّطت آيات الذكر الحكيم الضوء على هذه المسألة وأزاحت الستار قوله تعالى: (فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ الناصِحينَ).[1]

وإذا أمعنا النظر في الآيات الثلاث نجد:

إنّ الآية الأُولى أشارت إلى أنّ قوم صالح(عليه السلام) طلبوا العذاب الإلهي الذي وعدهم به النبي صالح(عليه السلام).

وأمّا الآية الثانية فتؤكّد نزول ذلك العذاب عليهم (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمين).

وأمّا الآية الثالثة فقد نقلت الحديث إلى كلام صالح(عليه السلام) مع قومه بعد نزول العذاب عليهم وهلاكهم،وكيف أنّه(عليه السلام) أخذ يخاطبهم بقوله:(يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ الناصِحينَ).

والشاهد على أنّه(عليه السلام) تحدّث معهم بعد هلاكهم ونزول العذاب بهم، هو:

1. نظم الآيات بالشكل الذي ذكرناه.

2. حرف «الفاء» الوارد في قوله تعالى:(فَتولّى)المشعر بالترتيب بين الهلاك والخطاب، بمعنى أنّ خطابه(عليه السلام) لهم جاء عقيب هلاكهم مباشرة.

3. جملة (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ الناصِحينَ) وهذا المقطع من الآية يفيد بأنّهم بلغت بهم العنجهية أن كانوا لا يحبون الناصحين حتى بعد هلاكهم!!!

وظاهر الآية أنّه (عليه السلام) كان يتحدث مع أرواح قومه بصورة جدّية ويخاطبهم بصورة مباشرة مبيّناً لهم عنادهم وعنجهيتهم حتى بعد موتهم بقوله: (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ الناصِحينَ).

وهنا قد يطرح السؤال التالي وهو: من المحتمل أن يكون خطاب صالح(عليه السلام)لقومه لا على نحو الجد، بل من قبيل تغزّل العاشقين وخطابهم للدور وجدران المنازل التي يقطنها الحبيب.

وجواب ذلك: انّ حمل الآية المباركة على لسان الحال والقول بأنّها من قبيل غزل العاشقين وخطابهم للدور و جدران المنازل لهو من أبرز مصاديق التفسير بالرأي، وانّه تفسير وحكم خاطئ لا يقوم على دليل.

ومن الواضح أنّ حقيقة التفسير بالرأي تنبع من اتّخاذ الموقف أوّلاً والاعتقاد
مسبقاً، ثمّ محاولة تفسير الآيات وفقاً لهذا الرأي وانسجاماً مع هذا المعتقد بشتّى أنواع التأويل والتحريف، وبما أنّ صاحب هذا التفسير قد أنكر مسبقاً وجود الصّلة بين الحياتين الدنيوية والبرزخية، حينئذ لجأ إلى هذا التأويل البارد للفرار من الحرج الذي وقع فيه أمام هذه الآيات وأمثالها التي تثبت وجود هذه الصلة والعلاقة.

يقول الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ هؤلاء:

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».[2]

السؤال الثاني: وهناك سؤال آخر يمكن أن يطرح وهو: يمكن القول بأنّه(عليه السلام) كان يخاطب من بقي من قومه على قيد الحياة، أي أنّه كان يخاطب الثلّة المؤمنة من قومه التي بقيت معه والتي لم يمسّها العذاب الإلهي الذي أصاب الكافرين، وحينئذ لا دلالة للآية على وجود الصلة بين الحياتين.

والجواب: انّ هذا الاحتمال هو الآخر ضعيف جداً، بل لا أساس له من الصحّة، إذ لو كان المراد من الآية المباركة نفس ما ورد في متن السؤال وانّ الخطاب كان موجّهاً للمؤمنين من قوم صالح، فلماذا ورد في ذيل الآية قوله تعالى: (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ الناصِحينَ)؟! فهل يوجد عاقل يحتمل أنّ هذا الوصف ينطبق على ثلّة من المؤمنين آمنت بربها وأذعنت لدعوة رسوله وانصاعت لأوامره ونواهيه؟!

إذاً المخاطب بالآية على نحو القطع والبت،هم قوم صالح الذين عمّهم العذاب وشملهم الهلاك.

2. النبي شعيب(عليه السلام) يخاطب قومه الهالكين لقد استعرض لنا القرآن الكريم وفي آيات أُخرى قصة نبي آخر خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك، وذلك النبي هو شعيب(عليه السلام)، فقد جاءت القصة بالنحو التالي:

قال تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمين).[3]

ثمّ قال سبحانه في آية أُخرى:(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوا فِيها الَّذينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرين).[4]

ثم أردفها سبحانه وتعالى بقوله: (فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْف

َ آسى عَلى قَوْم كافِرين).[5]

ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو نفس الاستدلال الذي ذكرناه في قصة النبي صالح(عليه السلام) وخطابه مع قومه.

3. النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤمر بالتكلّم مع الأنبياء جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى مخاطباً نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ).[6]

والظاهر من الآية الشريفة أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان باستطاعته الاتّصال مع الأنبياء الذين بعثوا قبله وسؤالهم عن ذلك، وما لم يرد دليل عقلي قاطع على استحالة ذلك ومنعه، لا يحق لنا رفع اليد عن هذا الظهور أبداً.

وقد يثار التساؤل التالي: أليس من الممكن تأويل الآية بإرجاعها إلى سؤال علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى استظهاراً من قوله تعالى:(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الِّذِينَ يَقْرأُونَ الكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)[7]، وحينئذ لا يكون في الآية السابقة أيّة دلالة على إمكانية الاتّصال بالعالم الآخر فضلاً عن وقوعه.

والجواب: انّ هذا الاحتمال باطل جداً،والدليل على بطلانه هو:

أوّلاً: انّ تفسير آية بآية أُخرى إنّما يصحّ إذا كانت الآية الأُولى مبهمة وتحتاج إلى نوع من البيان والتوضيح، فحينئذ تكون الاستعانة بآية أُخرى لرفع هذا الإبهام أمراً ضرورياً وموضوعياً، وأمّا إذا كانت الآية الأُولى خالية من الإبهام والتعقيد فلا معنى لرفع اليد عن ظهورها وتأويلها بنحو ينسجم مع آية أُخرى، إذ لا منافاة بين الآيتين فمن الممكن للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل كلا الطائفتين، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار انّ هذه الآية الواردة في سورة يونس راجعة إلى سؤال الأُمّة من علماء بني إسرائيل وقرّاء كتبهم،وهذا بخلاف قوله تعالى:(وسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلنا) فإنّها خطاب للنبي حقيقة.

وأمّا الآية الأُولى فهي وإن كان الخطاب فيها موجّهاً إلى الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّ الخطاب موجّه إلى الأُمّة لتسأل هي بدورها علماء بني إسرائيل.

والشاهد على هذا المدّعى وانّه سبحانه قد وضع تحت اختيار الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) طريقين، هو قوله تعالى في الآية التالية:

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آيات بَيِّنات فَاسْأل بَني إِسرائيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنَ إِنّي لأظنُّكَ يا موسى مَسْحُوراً).[8]

فقد جاء الحديث في هذه الآية عن بني إسرائيل لا العلماء منهم والذين يقرأون الكتاب، ومن هنا لا يحق لنا تأويل الآية الثالثة بلا دليل أو برهان.

ثانياً: انّ الآية الأُولى تحكي عن أنّ المراد من السؤال هو سؤال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جميع الأنبياء الذين بعثوا قبله مثل: نوح وإبراهيم و…، والحال أن الآية الثانية يراد منها السؤال من علماء بني إسرائيل عن خصوص المفاهيم والأحكام الواردة في «العهدين» وما أنزله اللّه تعالى على أنبيائهم فقط ووضعه تحت اختيار الأُمّة الإسلامية.

ومن الواضح أنّه لا وجه لتضييق وتحديد المفهوم الواسع للآية الأُولى وحصره في علماء بني إسرائيل من اليهود والنصارى.

ثالثاً: أطبق المفسّرون على أنّ الآية مورد البحث ـ آية سورة الزخرف ـ من الآيات المكّية، ومن الواضح للجميع أنّه لا يوجد في المجتمع المكي أيّ أثر يذكر ووجود بارز لعلماء أهل الكتاب ومن اتّبعهم من اليهود والنصارى حتى يؤمر الرسول بالسؤالهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأعراف:77ـ79.
[2] انظر كشف القناع للبهوي:1/525; وتوحيد الصدوق:91.
[3] الأعراف:91.
[4] الأعراف:92.
[5] الأعراف:93.
[6] الزخرف:45.
[7] يونس:94.
[8] الإسراء:101.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=12218