• امروز : شنبه - 22 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Saturday - 11 May - 2024
1

زيارة قبور الصالحين سجيّة إنسانية وسنّة رحمانية

  • 09 جمادى الآخرة 1440 - 16:30
زيارة قبور الصالحين سجيّة إنسانية وسنّة رحمانية

  حينما يطلّ الإنسان على وادي الصمت المتمثّل في أكبر مقبرة في العالم ، وهي مقبرة النجف الأشرف على مشرّفها آلاف التحية والسلام، ويرى عن كثب ذلك الوادي المرعب ويشاهد فيه الملايين من البشر الصغير والكبير، والشاب والكهل، والمرأة والرجل، والغني والفقير، والضعيف والقوي، والمعدم وأصحاب الجاه والسلطان و…، ويراهم كيف يغطّون في سبات عميق […]

 

حينما يطلّ الإنسان على وادي الصمت المتمثّل في أكبر مقبرة في العالم ، وهي مقبرة النجف الأشرف على مشرّفها آلاف التحية والسلام، ويرى عن كثب ذلك الوادي المرعب ويشاهد فيه الملايين من البشر الصغير والكبير، والشاب والكهل، والمرأة والرجل، والغني والفقير، والضعيف والقوي، والمعدم وأصحاب الجاه والسلطان و…، ويراهم كيف يغطّون في سبات عميق وصمت مخيف في تلك الديار الموحشة والأرض القفرة، والقبور التي اندرس أكثرها فتحوّلت إلى بيوت للحشرات ومأوى للديدان، ولا يقف الأمر عند مقبرة النجف الأشرف، بل تجد الأمر يتكرر في كلّ مدينة أو قرية، حينئذ تنتابه الدهشة والذهول، ويذعن من حيث يشعر أو لا يشعر أنّ مصير الجميع إلى الفناء، ويعترف بعجز الإنسان الذاتي أمام التصدي إلى هذا المصير المحتوم الذي يبيد الجميع ويفني الكلّ ويزيل الملك ويسلب السلطان والسطوة. حينئذ يأخذ الإنسان في التفكير بمصيره وبما يؤول إليه، وانّه لابدّ أن يَعدّ العُدّة لمستقبله ويفكر في عاقبة أمره أمام هذا المصير المجهول، ويُعدّ الزاد لهذا السفر الطويل والبلاء العظيم، ويفكر في إعمار آخرته أكثر ممّا يفكر في إعمار دنياه الفانية، وحينها يعود إلى التفكير في ذاته وأصل وجوده والهدف من خلقة الكون والعالم، وبالنتيجة يعود إلى رشده ويرعوي عن غيّه ويفكّر في الحياة الخالدة التي تنتظره .

انطلاقاً من هذا الدرس التربوي لزيارة القبور نجد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)وضع إصبعه على هذا الأمر الحسّاس، وحثّ على زيارة القبور لما فيها من العبرة والاتّعاظ، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) :

«زوروا القبور فإنّها تُذكّركم الآخرة».[1]

وفي حديث آخر له(صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«زوروا القبور فإنّ لكم فيها عبرة».[2]

وقد صب الشاعر المرهف المعاصر المرحوم السيد صادق سرمد هذا المعنى في قصيدة عصماء باللغة الفارسية حينما زار مصر وشاهد آثار الفراعنة وقبورهم، وكيف لعبت بها يد الدهر، وكيف تحوّلت إلى عبرة وموعظة للآخرين.[3]

وكان لأهل بيت العصمة والطهارة قصب السبق في الاستفادة من التذكير بالقبور وما يؤول إليه أصحابها في الوعظ و التربية حتّى مع أعتى الطواغيت وفي أشدّ اللحظات.

فقد روى المسعودي في «مروج الذهب» أنّ جماعة من حاشية المتوكّل سعوا بأبي الحسن علي بن محمد(عليه السلام) إلى المتوكل… فأخذوه ـ أي الإمام ـ إلى المتوكل فمثل بين يديه، والمتوكل على مائدة الخمر وفي يده كأس…، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال الإمام(عليه السلام):«واللّه ما خامر لحمي ولا دمي، فأعفني منه»، فعفاه، ثمّ قال له: أنشدني شعراً أستحسنه. فاعتذر الإمام (عليه السلام)وقال: «إنّي لقليل الرواية للشّعر». فألحّ عليه ولم يقبل عذراً، فأنشده:
باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القُلل
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * فأُودعوا حفراً يابئس مانزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرّة والتيجان والحُلَلُ
أين الوجوه التي كانت مُنعَّمة * من دونها تُضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
أضحت منازلهم قفراً مُعَطّلة * وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا[4]

وهكذا تجد كيف يستفيد الإمام من الصورة المرعبة والموحشة للقبر في ردع الطاغية عن غيّه، وهو في أشدّ حالات زهوه وبطره وتماديه.

[1] سنن ابن ماجه:1/500، ح1569.
[2] كنزالعمال:15/647، ح 42558.
[3] ديوان سيد صادق سرمد:90، بالفارسية.
[4] مروج الذهب:4/93.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=10252