اتّخذ الإمام الصادق عليهالسلام جملة من الأمور اللازمة في مجال التثقيف العقائدي والفكري الموصل تلقائيا إلى معرفة مفهوم الغيبة وصاحبها ، وإدراك هويته من قبل من يولد بعشرات السنين ، وذلك من خلال تأكيده المباشر على أمر ثبوت أصل العقيدة المهدوية ودعمها.
فمن الواضح أنّ الحديث عن الغيبة والغائب ابتداءّ ، وبيان ما يجب فعله أو تركه في زمان الغيبة ، ونحو هذا من الأمور ذات الصلة المباشرة بهذا المفهوم ، لا يجدي نفعاً ما لا يُعْلَم بأصل العقيدة المهدوية ، ولهذا أراد الإمام الصادق عليهالسلام تنبيه الامة على أصل هذه العقيدة ، وذلك من خلال دعمها بما تواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بشأنها ، حتى لا يكون هنالك شكٌّ في الأصل الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو ما اتّفقت الأمة على نقله.
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاًًً من أهل بيتي يملأُها عدلاً كما مُلئت جوراًً » [١].
وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول على المنبر : « إنّ المهدي من عترتي من أهل بيتي ، يخرج في آخر الزمان ، ينزّل الله له من السماء قطرها ، ويخرج له من الأرض بذرها ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاًًً كما ملأها القوم ظلماًًً وجوراًًً » [٢].
وعن أبي سعيد الخدري أيضاًًً ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : « المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى المنف ، يملأ الأرض قسطاًً وعدلاً كما ملئت ظلماًً وجوراًً » [٣].
وعن ام سلمة قالت : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة » [٤].
وعن حذيفة بن اليمان ، قال : « خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآله فذكّرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بما هو كائن ، ثم قال : لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاًً من ولدي اسمه اسميّ ، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه : يا رسول الله من أي وُلْدِك؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين [۵]. وغيرها من الأحاديث الكثيرة الاُخرى.
وممّا يؤيّد عمق الاعتقاد بالمهدي عليهالسلام في الوجود الإسلامي ، هو منه لا يكاد يخلو كتاب حديثي من كتب المسلمين إلاّ وقد صرّح بهذه الحقيقة الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ثبوتاً قطعياً ، ويكفي في ذلك أن من أخرج أحاديث المهدي عليهالسلام من محدثي العامّة فقط بالغوا زهاء تسعين محدثا ، وقد أسندوها إلى أكثر من خمسين صحابياً [۶] ، وأما من قال بصحتها أو تواترها فقد بلغوا ثمانية وخمسين عالماً من علمائهم فيما تتبعّناه [۷] ، وإذا ما علمنا موقف أهل البيت عليهمالسلام وعرفنا عقيدة شيعتهم بالإمام المهدي عليهالسلام ، تيقّنا من حصول إجماع الأُمة بكل مذاهبها على ضرورة الاعتقاد بالمهدي عليهالسلام.
ـــــــــــــــــــــــــ
[١] كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : ١١١.
[٢] سنن أبي داود ٤ : ١٠٧ / ٤٢٨٣ ، ومسند أحمد ١ : ٩٩ ومصنف ابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٨ / ١٩٤٩٤.
[٣] سنن أبي داود ٤ : ١٠٧ / ٤٣٨٥ ، ومصنف عبدالرزاق ١١ : ٣٧٢ / ٢٠٧٧٣.
[٤] سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨٦ / ٤٠٨٦ باب ٣٤ ، وسنن أبي داود ٤ : ١٠٧ / ٤٢٨٤ ، ومستدرك الحاكم ٤ : ٥٥٧ ، والمعجم الكبير / الطبراني ٢٣ : ٢٦٧ / ٥٦٦.
[۵] عقد الدرر : ٥٦ باب ١ ، وفرائد السمطين ٢ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ / ٥٧٥ باب ٦١ ، والمنار المنيف / ابن القيم ١٤٨ / ٣٣٩ فصل ٥٠ ، وكشف الغمة / الإربلي ٣ : ٢٥٩.
[۶] المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ٢٦ ـ ٣٢.
[۷] دفاع عن الكافي ١ : ٤٣٤ ـ ٤٠٥ تحت عنوان : ( من قال بصحّة أحاديث المهدي عليهالسلام أو تواترها من أهل السنة ).