• امروز : دوشنبه - 10 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Monday - 29 April - 2024
0

كَلامٌ في شَرحِ حَديثِ الله سبحانه «الصَّومُ لي»

  • 03 رمضان 1440 - 14:11
كَلامٌ في شَرحِ حَديثِ الله سبحانه «الصَّومُ لي»

  قال أبو حامدٍ الغزّالي في شرح الحديث : إنّما كانَ الصومُ للّه ِ ومشرّفا بالنسبةِ إليهِ ـ وإن كانت العبادات كلّها له كما شرّف البيت بالنسبةِ إليهِ والأرض كلّها له ـ لمعنيين : أحدهما : أنّ الصوم كفّ وترك ، وهو في نفسه سرّ ليس فيه عمل يشاهد ، فجميع الطاعاتِ بمشهد من الخلق […]

 

قال أبو حامدٍ الغزّالي في شرح الحديث : إنّما كانَ الصومُ للّه ِ ومشرّفا بالنسبةِ إليهِ ـ وإن كانت العبادات كلّها له كما شرّف البيت بالنسبةِ إليهِ والأرض كلّها له ـ لمعنيين : أحدهما : أنّ الصوم كفّ وترك ، وهو في نفسه سرّ ليس فيه عمل يشاهد ، فجميع الطاعاتِ بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى ؛ فإنّه عمل في الباطن بالصبر المجرّد . والثاني : أنّه قهرٌ لعدوّ اللّه ؛ فإنّ وسيلة الشيطان ـ لعنه اللّه ـ الشهوات ، وإنّما يقوى الشهوات بالأكل والشرب ؛ ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ ؛ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجوعِ» … فلمّا كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدّا لمسالكه وتضييقا لمجاريه ، استحقّ التخصيص بالنسبة إلى اللّه ؛ ففي قمع عدوّ اللّه نصرة للّه ، ونصرة اللّه للعبد موقوفة على النصرة له ؛ قال اللّه : «إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» [1] ؛ فالبداية بالجهدِ مِنَ العَبدِ ، والجزاء بالهداية مِنَ اللّه ِ ؛ ولذلكَ قالَ : «وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» [2] ، وقالَ : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» [3] ؛ وإنّما التغيير بكسر الشهواتِ ، فهي مرتعُ الشياطين ومرعاهم ، فما دامت مخصبة لم ينقطع تردّدهم ، وما داموا يتردّدون فلا ينكشف للعبدِ جلال اللّه ، وكان محجوبا عن لقائه ؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لَولا أنَّ الشَّياطينَ يَحومونَ عَلى قُلوبِ بَني آدَمَ لَنَظَروا إلى مَلَكوتِ السَّماءِ» . فمن هذا الوجه صار الصوم بابَ العبادة وصارَ جُنّةً . [۴] وفي النهاية لابن الأثير : قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأنّه لِمَ خَصّ الصومَ والجزاءَ عليه بنفسه عز و جل ، وإن كانت العبادات كُلّها له وجَزاؤها منه ؟ وذكروا فيه وجوها مدارُها كُلّها على أنّ الصوم سِرٌّ بين اللّه والعبد لا يَطَّلِع عليه سِواه ، فلا يكون العبدُ صائما حَقيقةً إلاّ وهو مُخلص في الطاعة . وهذا وإن كان كما قالوا ؛ فإنَّ غير الصَّوم من العبادات يشاركه في سرّ الطاعة ، كالصلاة على غير طهارة أو في ثوبٍ نجس ، ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات الّتي لا يعرفها إلاّ اللّه وصاحبها . وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث : أنّ جميع العبادات الّتي يتقرّب بها العباد إلى اللّه عز و جل ـ من صلاة ، وحجّ ، وصدقة ، واعتكاف ، وتبتُّل ، ودعاء ، وقُربان ، وهَدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات ـ قد عَبَدَ المشركون بها آلِهتَهم ، وما كانوا يتَّخذونه من دون اللّه أندادا ، ولم يُسمَع أنّ طائفة من طوائف المشركين وأرباب النِّحَلِ في الأزمان المُتَقادِمة عَبدت آلهتها بالصوم ، ولا تقرَّبت إليها به ، ولا عُرف الصوم في العبادات إلاّ من جهة الشرائع ، فلذلك قال اللّه عز و جل : «الصَّومُ لي وأنَا أجزي بِهِ» ؛ أي : لم يُشاركني أحدٌ فيه ، ولا عُبد به غيري ، فأنا حينئذٍ أجزي به وأتولَّى الجزاء عليه بنفسي ، لا أكِلُه إلى أحد من ملك مقرّب أو غيره على قدر اختصاصه بي . [۵]

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] محمّد : 7 .
[2] العنكبوت : 69 .
[3] الرعد : 11 .
[۴] المحجّة البيضاء : ج 2 ص 125 ؛ إحياء علوم الدين : ج 1 ص 346 .
[۵] النهاية : ج 1 ص 270 .


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=18160