• امروز : جمعه - 28 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Friday - 17 May - 2024
1

الفرق بين الشفاعة والوساطة الدنيوية

  • 08 شعبان 1440 - 12:40
الفرق بين الشفاعة والوساطة الدنيوية

  يتصوّر البعض ـ و تحت تأثير الدعايات المغرضة وتبليغ الجاهلين ـ انّ الشفاعة تشبه الوساطة الدنيوية، وبعبارة أُخرى: هي نوع وساطة حزبية، وانّها تعدّ نوعاً من أنواع مخالفة القانون والالتفاف عليه، ومن أجل قلع تلك الشبهة من الأذهان ينبغي التركيز على بيان الفوارق الأساسية بين الشفاعة وبين الوساطة الدنيوية. فنقول: إنّ التفاوت بين الحالتين […]

 

يتصوّر البعض ـ و تحت تأثير الدعايات المغرضة وتبليغ الجاهلين ـ انّ الشفاعة تشبه الوساطة الدنيوية، وبعبارة أُخرى: هي نوع وساطة حزبية، وانّها تعدّ نوعاً من أنواع مخالفة القانون والالتفاف عليه، ومن أجل قلع تلك الشبهة من الأذهان ينبغي التركيز على بيان الفوارق الأساسية بين الشفاعة وبين الوساطة الدنيوية.

فنقول: إنّ التفاوت بين الحالتين يكمن في ثلاث نقاط، هي:

1. في الشفاعة الأُخروية يكون زمام الأُمور بيد اللّه سبحانه، ولم تخرج الأُمور من يده، بل هو الذي ينتخب الشفعاء ممّن توفرت فيهم اللياقة والكمال بحيث وصلوا إلى درجة من التقوى والمقام والمنزلة تجعلهم لائقين لهذا المنصب الإلهي، فحينئذ يمنحهم اللّه سبحانه وتعالى ذلك، ويجعل فيض رحمته وغفرانه يجري من خلال طريقهم ليفاض على بعض المذنبين والعاصين وتحت شروط خاصة،
والحال أنّ الوساطة والشفاعة في الحياة الدنيا تختلف مع ذلك اختلافاً أساسياً، وذلك لأنّ المذنب والمجرم هو الذي يتصدى لاختيار وانتخاب الشفيع والواسطة، ولو لم يتحرّك المجرم ويسعى لانتخاب الواسطة والشفيع لما خطر في بال الشفيع أن يتوسّط أو يشفع له عند خصومه، فإذا ما دعا القرآن الكريم المذنبين في هذه الدنيا بقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحيماً)[1]، فلا ريب أنّ هذا الأمر والدستور الإلهي صدر منه سبحانه بصورة مباشرة، ولولا أن يأذن هو بذلك لما توجّه المسلمون نحو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه الاستغفار والتوبة، وعلى فرض أنّهم ذهبوا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه ذلك، لا شكّ أنّه لا أثر لذلك الذهاب ولتلك الدعوة مادام اللّه سبحانه وتعالى لم يأمر بها أو يأذن باستعمالها. وهكذا الكلام في الشفاعة في الدار الآخرة.

2. في الشفاعة الصحيحة يكون الشفيع خاضعاً للأمر الإلهي وواقعاً تحت تأثير المقام الربوبي، وأمّا في الشفاعة الباطلة يكون صاحب القدرة والمقام الحكومي مثلاً واقعاً تحت تأثير كلام وإرادة الشفيع، كما أنّ الشفيع نفسه هو الآخر واقع تحت تأثير وإلحاح وإصرار المجرم، ومن الواضح أنّ هذا فرق أساسي بين الشفاعتين لا يمكن التغافل عنه.

3. في الشفاعة الدنيوية يحدث تمييز في القانون بحيث يستطيع الشفيع أن يتغلب على إرادة المقنّن أو المنفذ للقانون، وبالنتيجة تنحصر سلطة المقنن وقدرته على الضعفاء والفقراء والعاجزين فقط، ممّن لاحول لهم ولا قوّة، والحال أنّ الأمر في الشفاعة الأُخروية يختلف عن ذلك اختلافاً جوهرياً فلا يوجد أحد مهما كان يستطيع أن يفرض إرادته على إرادة اللّه سبحانه،أو يقف أمام القانون الإلهي، بل انّ حقيقة الشفاعة في الآخرة تستمد وجودها من الرحمة الإلهية الواسعة والمغفرة اللامحدودة والعطف اللامتناهي للّه سبحانه ليشمل بذلك كلّه الأفراد الذين استحقوا التطهير والتنزيه من توابع الذنب والرجس.

وأمّا الّذين يحرمون من الفوز بتلك الرحمة الإلهية، فلا يعني ذلك الحرمان انّ هناك عملية تمييز في القانون وتفضيل لطائفة على طائفة من دون أيّة مبررات عقلائيّة، بل انّ حرمانهم ذلك نابع من كونهم غير جديرين بأن تشملهم الرحمة والمغفرة الإلهية بسبب فداحة المعاصي وعظم الذنوب وقطعهم للعلاقة الإيمانية مع اللّه من جهة و مع الشفعاء من جهة أُخرى.

وبعبارة أُخرى: ليست الرحمة الإلهية محدودة كخزانة التاجر أو البنك بحيث تنفد ولا يبقى منها شيء ليعطى للآخرين رغم استحقاقهم لذلك، بل رحمته واسعة وغير محدودة فلا تنفد خزائن رحمته، ولكن المشكلة في أنّ المجرم نفسه لا يستحق أن تفاض عليه تلك الرحمة.

فإذا ما قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه)،[1] فما ذلك إلاّ لأنّ قلب المشرك كمثل الإناء المغلق بحيث لو ألقيته في سبعة أبحر لما نفذت فيه قطرة من الماء أبداً، أو مثله كمثل الأرض المالحة التي لا ينبت فيها إثر هطول الأمطار ـ مهما كثرت ـ إلاّ الأشواك والنباتات غير النافعة للإنسان والحيوان.

وإذا ما وجدنا القرآن الكريم يؤكد أنّ الشفاعة لا تكون إلاّ من نصيب من ارتضى اللّه شفاعته كما في قوله تعالى:

(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى).

فما ذلك إلاّ لأنّه سبحانه وتعالى يعلم من هو اللائق والجدير بأن تشمله الرحمة الإلهية ويعمّه هذا الفيض المعنوي الإلهي، ويعلم من هو غير الجدير بذلك.

ولا يختص الحرمان من تلك النعمة والفيض الإلهي بالمشركين فقط، بل هناك طائفة من العاصين الذين تلطّخت أيديهم بالجريمة وأُوغلوا في المعاصي والذنوب والخطايا، هؤلاء أيضاً لا يشملهم الفيض الإلهي والرحمة الإلهية الواسعة ولا يعمّهم لطفه سبحانه.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] النساء:64.
[۲] النساء:48و 116.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=15432