• امروز : جمعه - 21 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Friday - 10 May - 2024
0

شدّ الرحال إلى زيارة  مرقد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)

  • 15 جمادى الآخرة 1440 - 19:40
شدّ الرحال إلى زيارة  مرقد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)

  لقد أثبتنا في البحث السابق أنّ زيارة قبور المسلمين مطلقاً وزيارة القبر الطاهر للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من المستحبّات المؤكّدة في الشريعة الإسلامية، حيث روى المحدّثون ـ الشيعة والسنّة ـ روايات كثيرة في استحباب زيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد نقلنا قسماً منها في ماسبق. ثمّ إنّ علماء الإسلام قد تسالموا على […]

 

لقد أثبتنا في البحث السابق أنّ زيارة قبور المسلمين مطلقاً وزيارة القبر الطاهر للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من المستحبّات المؤكّدة في الشريعة الإسلامية، حيث روى المحدّثون ـ الشيعة والسنّة ـ روايات كثيرة في استحباب زيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد نقلنا قسماً منها في ماسبق. ثمّ إنّ علماء الإسلام قد تسالموا على استحباب زيارة مرقد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يشك في ذلك أحدٌ أبداً، بل حتى محمد بن عبد الوهاب ـ الذي يمثّل محور إثارة الشبهات في العقائد الإسلامية ـ نجده هو الآخر لم يختر الصمت في هذه القضية الحسّاسة، بل صرّح باستحباب زيارة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) .[1]

ومع الالتفات إلى هذا الاستحباب يمكن تقسيم المسلمين بالنسبة إلى هذه الهبة الإلهية إلى طائفتين، هما:

1. سكان المدينة المنوّرة

من الواضح أنّ سكّان المدينة المنوّرة ينهلون من هذا النبع الإلهي ، ويغرفون من هذا البحر الزاخر، ويتزوّدون بأنواع النعم والآثار المعنوية والفيض الإلهي النازل على تلك الروضة المطهّرة لقبره الشريف(صلى الله عليه وآله وسلم) من دون بذل عناء أو جهد، ويؤدّون هذا العمل المستحب من دون مشقّة أو تعب وعناء.

2. سكّان سائر البلاد الإسلامية

أمّا سكّان البلاد والمدن الإسلامية الأُخرى فعليهم إذا أرادوا التوجّه إلى قبلة نفوسهم وحبيب قلوبهم ومهوى أفئدتهم، والسلام عليه، أن يقطعوا الفيافي، ويعانوا المتاعب، ويتحمّلوا وعثاء السفر، ومصاعب الطريق خاصة في العصور القديمة التي كانت فيها وسائط النقل بدائية أو معدومة أساساً.

ومن هنا يطرح التساؤل التالي نفسه: ما هو حكم هذا السفر وشدّ الرحال من وجهة النظر الشرعية؟

والجواب: إذا كانت زيارة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أمراً مطلوباً وعملاً مستحبّاً كما دلّت عليه الروايات المتضافرة والسيرة القطعية، يكون شدّ الرحال الذي هو بمنزلة المقدّمة أمراً مستحبّاً، بناءً على الملازمة بين استحباب الشيء واستحباب مقدّمته[2] كما عليه أكثر الأُصوليين.

نعم، ذهب بعض الأُصوليين إلى عدم الملازمة، ولكنّهم متّفقون على لزوم كون المقدّمة مباحة لا محرّمة، لاستلزامه التناقض في التشريع، حيث لا يعقل البعث إلى أمر، مع المنع عمّا يوصل المكلّف إليه، وعلى كلّ تقدير لا يصحّ تحريم السفر مع افتراض كون الزيارة أمراً راجحاً، وفعلاً مستحباً، فلا محيص من القول باستحبابه، أو إباحته، ولا تجتمع حرمة المقدّمة مع استحباب ذيها.

ولقد حدّثنا التاريخ الإسلامي أنّ سيرة المسلمين كانت قائمة ـ بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ من عصر الصحابة إلى يومنا هذا على شدّ الرحال، والتوجّه إلى زيارة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)كما ذكر لنا التاريخ نماذج من تلك الزيارات والتي قام بها الصحابة وغيرهم، نذكر القليل منها:

1. بلال مؤذّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يشدّ الرحال للزيارة

روى ابن عساكر باسناده عن أبي الدرداء، قال: لمّا فرغ عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابيّة، سأله بلال أن يقرّه بالشام ففعل ذلك ـ إلى أن قال ـ : ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه رسول اللّه وهو يقول:«ما هذه الجفوة يا بلال، أمّا آن لك أن تزورني يا بلال»، فانتبه حزيناً خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يُضمّهما ويقبّلهما، فقالا له: «نشتهي أذانك الذي كنت تؤذّن به لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد»، ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلمّا أن قال: اللّهُ أكبر، اللّهُ أكبر ارتجّت المدينة، فلمّا أن قال: رسول اللّه، خرجت العواتق من خدورهنّ، وقالوا: بُعِثَ رسول اللّه. فما رُئي يوم أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول اللّه من ذلك اليوم.[3]

2. عمر بن عبد العزيز يبعث البريد للسلام على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)

استفاض الخبر أنّ عمر بن عبد العزيز كان يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرئ النبي السلام ثمّ يرجع وقال ابن الجوزي: وكان عمر بن

عبد العزيز يبرد البريد من الشام يقول: سلّم لي على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم).[4]

3. عمر بن الخطاب يطلب من كعب السفر للزيارة روى الواقدي في «فتوح الشام»: انّ عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس، وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح عمر بإسلامه، قال عمر له: هل لك أن تسير معي إلى المدينة، وتزور قبر النبي وتتمتّع بزيارته؟ فقال لعمر: يا أمير المؤمنين أنا أفعل ذلك. ولمّا قدم عمر المدينة، أوّل ما بدأ بالمسجد وسلّم على رسول اللّه.[5]

وفي الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى ذكر هذه النماذج الجزئية بعد أن أطبق المسلمون على طول القرون الأربعة عشر الماضية على جواز السفر، وأثبتوا صحّة ذلك، وقاموا بذلك بصورة عملية حيث كانت ولا تزال تسير الوفود والقوافل الكبيرة منطلقة من أقصى المناطق ومن كلّ فج عميق باتجاه المدينة المنوّرة للتشرّف بزيارة النبي الأكرم والانتهال من نمير فيضه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجديد العهد معه.

وهذا هو الإمام السبكي يذكر سيرة المسلمين في أيام الحجّ، ويقول: إنّ الناس لم يزالوا في كلّ عام إذا قضوا الحجّ يتوجّهون إلى زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنهم من يفعل ذلك قبل الحجّ، هكذا شاهدنا وشاهده مَن قبلنا، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة، وذلك أمر لا يرتاب فيه، وكلّهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه، وإن لم يكن في طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة، وينفقون فيه الأموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين أنّ ذلك قربة وطاعة، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على مرّ السّنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم، يستحيل أن يكون خطأ، وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ، ومن تأخّر عنه من المسلمين فإنّما يتأخّر بعجز أو تعويق المقادير، مع تأسّفه وودّه لو تيسّر له. ومن ادّعى أنّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.

ومن نازع في ذلك وقال: فإنّهم يقصدون من سفرهم زيارة المسجد، لا زيارة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم ينصف وكابر في أمر بديهي. فإنّ الناس من حين يعرجون إلى طريق المدينة، لا يخطر ببالهم غير الزيارة من القربات إلاّ قليلاً منهم، وغرضهم الأعظم هو الزيارة، ولو لم يكن ربّما لم يسافروا، ولهذا قلّ القاصدون إلى بيت المقدس مع تيسر إتيانه، وليس الصلاة فيه بأقل ثواباً من الصلاة في مسجد النبي.[6]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر كلمته التي نقلناها في ص 164.
[2] ذهب بعض المحقّقين إلى أنّ مقدّمة الأمر المستحب مستحبة أيضاً، وقد استدلّوا على ذلك بالآية 100 من سورة النساء،والآيات 120ـ 121 من سورة التوبة.
[3] مختصر تاريخ دمشق:5/265; تهذيب الكمال:4/289.
[4] مثير الغرم الساكن إلى أشرف الأماكن:2/297.
[5] فتوح الشام:1/244.
[6] شفاء السقام:100ـ 101.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=10830