اذا أمعنا النظر في النصوص والروايات الواردة بخصوص موقف الإمام الرضا عليهالسلام من ولاية العهد نجد أن الإمام قد رفض بشدة العروض التي
قدمها المأمون له لما تتضمنه من مخاطرة الاعتراف بشرعية الحكم القائم ، ومساعدة المأمون على التخلص من مصاعبه في ظل وضع سياسي متفجر بالانتفاضات والثورات العلوية ، وانقسام حاد في البيت العباسي كما أسلفنا.
لقد أدرك الإمام عليهالسلام بأن المأمون ليس صادقا في وعده ، زيادة على ان هذا الوعد الكاذب غير قابل التحقق لعدم استقرار الوضع السياسي العباسي من جهة ، ولإمكانات الاغتيال المحتملة سواء من جهة المأمون نفسه أو من جهة معارضي ولاية العهد من العباسيين الذين يخشون على سلطانهم ومصالحهم عند انتقال الخلافة إلى العلويين.
زد على ذلك أن الإمام عليهالسلام يعلم ماتنطوي عليه خطوة المأمون من خطورة برغبته باضفاء مسحة من الشرعية على حكمه وعدم اقتناعه بفكرة رد الحق إلى أهله التي يتبجح بها أمام الرأي العام. فالإمام يدرك جيدا أن المأمون أقدم على ما أقدم عليه تحت ضغط الضرورة ، وأنه ينظر للبيعة هذه كخشبة خلاص من الطوفان الجارف الذي ينتظره ، من هنا لم يعد يصعب علينا استنتاج رفض الإمام عليهالسلام لقبول الخلافة أو ولاية العهد وهما خياران قد عرضهما المأمون عليه ، ولم نستغرب تذرع إمامنا بعلل كثيرة ومحاولته استغلال عامل الزمن بإطالة أمد المفاوضات ، ولكن المأمون سد عليه جميع المنافذ من جهاتها ، واستأصل أسباب الرفض التي أظهرها الإمام عليهالسلام تخلّصاً مما طرح عليه ، وفي النهاية أدرك عليهالسلام أنه أمام واقع مفروض لابد له من مواجهته بدلاً من الهروب منه أو تجاهله ، خصوصا وأن هامش المناورة قد ضاق عليه إلى درجة كبيرة ، لذا قبل على مضض ولاية العهد ، ولكن وفق شروط محددة تحكيها الرواية التالية :
عن محمد بن عرفة وصالح بن سعيد الكاتب الراشدي قالا : .. فلما وافى ـ أي الرضاعليهالسلام ـ مرو عرض عليه الامرة والخلافة فأبى الرضا عليهالسلام ذلك ، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة وبقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى ابو الحسن الرضا عليهالسلام ان يقبل مايعرض عليه ، فلما كثر الكلام والخطاب في هذا قال المأمون : فولاية العهد ، فأجابه إلى ذلك ، وقال له : « على شروط أسألها » ، فقال المأمون : سل ما شئت ، قالوا : فكتب الرضا عليهالسلام : « إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أقضي ولا اُغير شيئا مما هو قائم ، وتعفيني من ذلك كله » ، فأجابه المأمون إلى ذلك وقبلها على هذه الشروط ..[١].
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[١] عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٦١ ، ح ٢١ باب (٤٠).