لا يشك أيّ عاقل يدرك أنّ الحكومة حاجة طبيعية يتوقف عليها حفظ النظام في المجتمع البشري، و قيام الحضارة المدنية، و تعريف أفراد المجتمع بواجباتهم و وظائفهم، و ما لهم و ما عليهم من الحقوق.
و حيث إنّ إعمال الحكومة و الحاكمية في المجتمع لا ينفك عن التصرف في النفوس و الأموال، و تنظيم الحريات و تحديدها أحياناً، و التسلّط عليها، احتاج ذلك إلى ولاية بالنسبة إلى الناس، و لو لا ذلك لَعُدَّ التصرف عدواناً.
و بما أنّ جميع الناس سواسية أمام اللَّه، و الكل مخلوق له بلا تمييز، فلا ولاية لأحد على أحد بالذات، بل الولاية للَّه المالك الحقيقي للإنسان، و الكون، و الواهب له وجوده و حياته فلا يصح لأحد الإمْرَة على العباد إلّا بإذنٍ من اللَّه سبحانه.
فالأنبياء و العلماء و المؤمنون مأذونون من قِبله سبحانه في أن يتولّوا الأمر من جانبه و يمارسوا الحكومة على الناس من قبله، فالحكومة حق مختص باللَّه سبحانه، و الامارة ممنوحة من جانبه.
قال سبحانه:
«إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» (يوسف- 40).
و الحكم له معنى وسيع أوسع من التشريع و التقنين و المراد منه هنا هو الحاكمية على الإنسان و لأجل كونه واجداً لذلك المقام، أصدر أمراً بعدم عبادة غيره.
و يوضح الانحصار قوله سبحانه:
«إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ» (الأنعام- 57).
التوحيد و الشرك في القرآن الكريم، ص: 20
«أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» (الأنعام- 62)
نعم إنّ اختصاص حق الحاكمية باللَّه سبحانه ليس بمعنى قيامه شخصياً بممارسة الإمرة، بل المراد أنّ من يمثّل مقام الإمرة في المجتمع البشري يجب أنّ يكون مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأُمور، و التصرّف في النفوس و الأموال.
و لأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يمنح لبعض الأنبياء حق الحكومة بين الناس، إذ يقول:
«يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (سورة ص- 26).
و لأجل ذلك يجب أن تكون الحكومة في المجتمع الإسلامي مأذونة من قبل اللَّه سبحانه ممضاة من جانبه، و إلّا كانت من حكم الطاغوت، الذي شجبه القرآن في أكثر من آية.
———————————————
آيت الله سبحانى، التوحيد و الشرك في القرآن الكريم – قم، چاپ: دوم، 1384 ش.