• امروز : چهارشنبه - 5 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Wednesday - 24 April - 2024
1

البكاء على الميّت

  • 15 شوال 1440 - 11:46
البكاء على الميّت

  الحزن والتأثر عند فقدان الأحبة أمر جُبلت عليه الفطرة الإنسانية، فإذا ابتلي بمصاب عزيز من أعزّائه أو فلذة من أفلاذ كبده وأرحامه، يحسّ بحزن شديد يتعقّبه ذرف الدموع على وجناته، دون أن يستطيع أن يتمالك حزنه أو بكاءه. ولا أجد أحداً ينكر هذه الحقيقة إنكار جد وموضوعية، ومن الواضح بمكان أنّ الإسلام دين الفطرة […]

 

الحزن والتأثر عند فقدان الأحبة أمر جُبلت عليه الفطرة الإنسانية، فإذا ابتلي بمصاب عزيز من أعزّائه أو فلذة من أفلاذ كبده وأرحامه، يحسّ بحزن شديد يتعقّبه ذرف الدموع على وجناته، دون أن يستطيع أن يتمالك حزنه أو بكاءه.

ولا أجد أحداً ينكر هذه الحقيقة إنكار جد وموضوعية، ومن الواضح بمكان أنّ الإسلام دين الفطرة يجاريها ولا يخالفها.

قال سبحانه: (فَأَقِمْوَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها) .[1]

ولا يمكن لتشريع عالمىّ أن يحرم الحزن والبكاء على فقد الأحبة إذا لم يقترن بشيء يغضب الرب.

ومن حسن الحظ نرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ساروا على وفق الفطرة.

فهذا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي على ولده إبراهيم، ويقول: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون».[2]

روى أصحاب السِّيَر والتاريخ، أنّه لمّا احتضر إبراهيم ابن النبي، جاء(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجده في حجر أُمّه، فأخذه ووضعهُ في حجره، وقال: «يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من اللّه شيئاً ـ ثمّ ذرفت عيناه ـ وقال: إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ، ولولا أنّه أمرٌ حقٌّ ووعدٌ صدقٌ وأنّها سبيل مأتيّة لحزَنّا عليك حزناً شديداً أشدّ من هذا».

ولمّا قال له عبد الرحمان بن عوف: أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ أجاب بقوله: «لا، ولكن نهيتُ عن صوتين أحمقين وآخرين، صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان، وصوت عند نغمة لهو، وهذه رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحَم».[3]

وليس هذا أوّل وآخر بكاء منه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ابتلائه بمصاب أعزّائه، بل بكى(صلى الله عليه وآله وسلم) على ابنه «طاهر» وقال: «إنّ العين تذرف، وإنّ الدمع يغلب والقلب يحزن، ولا نعصي اللّه عزّ وجلّ».[4]

وقد قام العلاّمة الأميني في موسوعته الكبيرة «الغدير» بجمع موارد كثيرة بكى فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة والتابعون على موتاهم وأعزّائهم عند افتقادهم، وإليك نصّ ما جاء به ذلك المتتبع الخبير.

وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا أُصيب حمزة (رضي الله عنه) وجاءت صفيّة بنت عبد المطلّب () تطلبه، فحال بينها و بينه الأنصار، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : دعوها، فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و إذا نشجت نَشَجَ،
وكانت فاطمة(عليها السلام)تبكي، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّما بكت يبكي، و قال: لن أُصاب بمثلك أبداً.[5]

ولمّا رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أُحد بكت نساء الأنصار على شهدائهن، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فرجع الأنصار فقالوا لنسائهم: لا تبكين أحداً حتّى تبدأن بحمزة، قال: فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميّتاً إلاّ بدأن بحمزة.[6]

وهذا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) ينعى جعفراً ، وزيد بن حارثة، وعبد اللّهبن رواحة، وعيناه تذرفان.[7]

وهذا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) زار قبر أُمّه وبكى عليها وأبكى من حوله.[8]

وهذا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت ودموعه تسيل على خدّه.[9]

وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي على ابن لبعض بناته، فقال له عبادة بن الصامت: ما هذا يا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: «الرحمة التي جعلها اللّه في بني آدم، وإنّما يرحم اللّه من عباده الرحماء».[10]

وهذه الصدّيقة الطاهرة تبكي على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتقول: «يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه».[11]

ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الروم:30.
[2] سنن أبي داود:1/58; سنن ابن ماجة:1/482.
[3] السيرة الحلبية:3/348.
[4] مجمع الزوائد للهيثمي:3/8.
[5] إمتاع المقريزي: 154.
[6] مجمع الزوائد:6/120.
[7] صحيح البخاري: كتاب المناقب في علامات النبوّة في الإسلام; سنن البيهقي:4/70.
[8] سنن البيهقي: 4/70; تاريخ الخطيب البغدادي: 7/289.
[9] سنن أبي داود:2/63; سنن ابن ماجة:1/445.
[10] سنن أبي داود:2/58; سنن ابن ماجة:1/481.
[11] صحيح البخاري، باب مرض النبي ووفاته; مسند أبي داود: 2/197; سنن النسائي: 4/13; مستدرك الحاكم:3/163; تاريخ الخطيب:6/262.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=23389