• امروز : شنبه - 1 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Saturday - 20 April - 2024
2

توسّل الخليفة بالعباس عمّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

  • 28 رجب 1440 - 9:42
توسّل الخليفة بالعباس عمّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

  روى البخاري في صحيحه قال: كان عمر بن الخطاب إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب(رضي الله عنه) وقال: اللّهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا،وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون.[1] والحديث صحيح السند، فما ظنك برواية رواها الإمام البخاري؟! لكن من لا يروق له التوسّل بالذوات الطاهرة أخذ يؤوّل الحديث بأنّ الخليفة […]

 

روى البخاري في صحيحه قال: كان عمر بن الخطاب إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب(رضي الله عنه) وقال: اللّهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا،وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون.[1]

والحديث صحيح السند، فما ظنك برواية رواها الإمام البخاري؟! لكن من لا يروق له التوسّل بالذوات الطاهرة أخذ يؤوّل الحديث بأنّ الخليفة توسّل بدعاء العباس لا بشخصه ومنزلته عند اللّه، وأضاف على ذلك أنّه لو كان قصده ذات العباس لكانت ذات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل وأعظم وأقرب إلى اللّه من ذات العباس، بلا شكّ ولا ريب، فثبت أنّ القصد كان الدعاء.[2]

لا أظنّ أنّ أحداً يحمل شيئاً من الإنصاف. يسوغ لنفسه أن يفسر الحديث بما ذكره ـ أي التوسّل بالدعاء ـ لأنّ في الموضوع نصوصاً تردُّ ذلك، وإليك الإشارة إليها:

1. قول الخليفة عند الدعاء … قال: «اللّهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا». وهذا ظاهر في أنّ الخليفة قام بالدعاء في مقام الاستسقاء، وتوسّل بعمّ الرسول في دعائه، ولو كان المقصود هو التوسّل بدعائه كان عليه أن يقول: يا عمّ رسول اللّه كنّا نطلب الدعاء من الرسول فيسقينا اللّه والآن نطلب منك الدعاء فادع لنا.

2. روى ابن الأثير كيفية الاستسقاء فقال: استسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة لمّا اشتدّ القحط فسقاهم اللّه تعالى به، وأخصبت الأرض، فقال عمر: هذا واللّه الوسيلة إلى اللّه والمكان منه.

وقال حسّان:

سأل الإمام وقد تتابع جدبنا * فسقى الغمام بغُرة العباس

عمّ النبي وصنو والده الذي * ورث النبي بذاك دون الناس

أحيا الإله به البلاد فأصبحت *** مخضرّة الأجناب بعد الياس

ولما سُقي طفقوا يتمسّحون بالعباس ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.[۳]

أمعن النظر في قول الخليفة: هذا واللّه الوسيلة.

3. ويظهر من شعر حسّان أنّ المستسقي كان هو نفس الخليفة وهو الداعي حيث قال: «سأل الإمام…» وكان العباس وسيلته لاستجابة الدعاء.

قال الدكتور عبد الملك السعدي: وقد أوّلوا حديث العباس بأنّ عمر طلب من العباس أن يدعو، لأنّهم كانوا إذا أجدبوا طلبوا من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو لهم، فكذا هنا طلب الدعاء من العباس، وهذا التأويل غير مقبول لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ السنّة أن يدعو الإمام نفسه والقوم يؤمَّنون، وهذا ما حصل حيث كان الداعي هو سيدنا عمر لا العباس.

الوجه الثاني: إنّ نص الحديث لا يدلّ على أنّ عمر طلب الدعاء من العباس، بل كان هو الداعي، بدليل قوله: «اللّهمّ إنّا كنّا نتوسّل…» وهذا عين الدعاء، ولم يرد أيّ لفظ يشير إلى أنّه قال للعباس: ادع لنا بالسقيا. ومع ذلك فأيّ خلل يحصل في الدين أو العقيدة إذا أجرينا النص على ظاهره وتركنا العناد والتعصّب؟

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويستبين من قصة العباس استحباب الاستسقاء بأهل الخير و الصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس،وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقّه.[۴]

وأظنّ أنّ هذه الروايات الصحيحة لا تبقي شكّاً ولا ريباً يدور في خلد أحد حول جواز التوسّل بالصالحين.

وأمّا ما ذكره من أنّه لو كان المقصود التوسّل بذات العباس لكان النبي بذلك أفضل وأعلم، فيلاحظ عليه: أنّ الهدف من إخراج عمّ النبي إلى المصلّى وضمّه إلى الناس هو استنزال الرحمة. فكأنّ المصلّين يقولون: ربّنا إذا لم نكن مستحقّين لنزول الرحمة، فإنّ عمّ النبي مستحقّ لها، فأنزل رحمتك إليه لتريحه من أزمة القحط و الغلاء وعندئذ تعمّ الرحمة غير العباس أيضاً، ومن المعلوم أنّ هذا لا يتحقّق إلاّ بالتوسّل بإنسان حيّ يكون شريكاً مع الجماعة في المصير وفي هناء العيش ورغده لا مثل النبي الراحل الخارج عن الدنيا والنازل في الآخرة، نعم يجوز التوسّل بشخصه أيضاً ولكن لا بهذا الملاك، بل بملاك آخر لم يكن مطروحاً للخليفة في المقام.

ولو افترضنا صحّة ما يُدعى من أنّ الخليفة توسّل بدعاء عمّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فهو عبارة أُخرى عن التوسّل بذات النبيّ لبّاً، إذ لولا صلته به لما قُدِّم للدعاء.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري:2/32، باب صلاة الاستسقاء.
[2] التوصل إلى حقيقة التوسّل: 253.
[۳] أُسد الغابة: 3 / 111.
[۴] البدعة: 46.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=14288