• امروز : شنبه - 1 اردیبهشت - 1403
  • برابر با : Saturday - 20 April - 2024
0

سعة علم الإمام علي عليه‌السلام وحكمته

  • 13 رجب 1440 - 11:30
سعة علم الإمام علي عليه‌السلام وحكمته

إنّ دائرة علم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وحكمته واسعة إلى درجة أن شعاع نور علمه بلغ مبلغ اعترف به حتّى مخالفيه ولم يقدروا على إنكاره بل كانوا يرجعون إليه في قضاياهم وما تشتبك عليهم من الامور ، فكان مرجعاً علمياً لهم حيث كان الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه يرجعون إليه في كثير من التعقيدات العلميّة […]

إنّ دائرة علم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وحكمته واسعة إلى درجة أن شعاع نور علمه بلغ مبلغ اعترف به حتّى مخالفيه ولم يقدروا على إنكاره بل كانوا يرجعون إليه في قضاياهم وما تشتبك عليهم من الامور ، فكان مرجعاً علمياً لهم حيث كان الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه يرجعون إليه في كثير من التعقيدات العلميّة والمشاكل الفقهيّة أيّام المحنة والسكوت الطويل ، والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ صدر الإسلام ونكتفي هنا بذكر نماذج منها :

١ ـ المرجعية العلمية للإمام علي عليه‌السلام

يقول أنس ابن مالك خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ رسول الله قال لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام :

«انْتَ تُبيّنُ لِأُمَّتِي ما اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي» (1).

وأحد وظائف الإمامة والولاية المهمة هي حفظ حريم القرآن وخزانة العلوم النبوية ونقلها بصورة صحيحة إلى العلماء والفقهاء وشرح ما أشكل عليهم من مفاهيم وأحكام إلهية ، وتتّضح أهمية هذا الدور والوظيفة للإمامة فيما لو علمنا أن الكثير من الامم والبلدان التي حققت انتصارات على امم اخرى كبيرة ولكنها عجزت في نفس الوقت عن التصدّي للثقافة الأجنبية وبالتالي لم تستطع حفظ ثقافتها ودينها وغلبت أخيراً على أمرها كما هو الحال في هجوم المغول على البلاد الإسلامية وانتصارهم في ميادين القتال والحرب على المسلمين إلّا أنهم سرعان ما غُلبوا في مقابل القرآن والإسلام واعتنقوا بذلك الإسلام بل أصبحوا من المدافعين عنه والمروّجين له.

الإمام علي عليه‌السلام اهتم بعد رحيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الأمر المهم جدّاً «الثقافة الإسلامية» وشرع بجمع القرآن وأقسم على أن لا يرتدي رداءه ويخرج من البيت قبل إتمام هذه المهمة إلّا أن يكون خروجه للصلاة (2) ، ثمّ شرع بتعليم وتفسير القرآن الكريم في ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وظاهره وباطنه ، إلى أولاده وتلاميذه كالإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام وابن عبّاس وابن مسعود وأمثالهم كما تعلّمها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليكون ذلك حصناً ثقافياً للُامّة الإسلامية أمام الغزو الثقافي والعقائدي الذي قد يتعرض له علماء الإسلام في ظلّ الفتوحات الكثيرة واختلاط الحضارات والثقافات السائدة بين الأقوام البشرية حينذاك وليأمن حاجة المسلمين الفقهية والحقوقية من هذه المعارف الإلهية ويبيّن الاصول العقائدية والأحكام الفقهية وغيرها من المسائل الثقافية بأفضل وجه وأحسن صورة للمسلمين.

٢ ـ الإمام علي عليه‌السلام باب مدينة العلم

وقد ورد في صحيح الترمذي أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«انَا دارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بابُها» (3).

ومن المسلّم أن كلُّ من أراد الدخول في الدار فعليه أن يردها من بابها كما ورد في الآية الشريفة ١٨٩ من سورة البقرة (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وعليه فكلُّ من أراد العلم والمعرفة والوصول إلى خزائن الحكمة لدى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فعليه أن يبدأ مساره من الإمام علي عليه‌السلام فهو مفتاح هذه الخزائن ويطلب منه العلم والمعرفة.

٣ ـ الإمام علي عليه‌السلام وتفسير القرآن

مع مراجعة سريعة إلى تفاسير القرآن الكريم يتّضح جيّداً أن الإمام علي عليه‌السلام كان على قائمة المفسّرين وأئمّة التفسير كما ذكر ذلك السيوطي حيث قال : «إنّ أكثر ما ورد في التفسير من الخلفاء هو من علي بن أبي طالب» (4).

ويعدّ ابن عبّاس على رأس المفسّرين في صدر الإسلام وكان في ذلك تلميذاً للإمام علي عليه‌السلام وعند ما قيل له : ما علمك إلى علم ابن عمّك؟ قال : كالقطرة بالنسبة إلى البحر (5). وهكذا نقرأ في كتب التاريخ أن تلامذة الإمام علي عليه‌السلام في مكّة والمدينة والكوفة كان لكلٍّ منهم مدرسة للتفسير.

٤ ـ الإمام علي عليه‌السلام واضع علم النحو

لقد أمر الإمام علي عليه‌السلام لغرض صيانة القرآن من التحريف اللغوي والأدبي أبا الأسود الدؤلي أن يكتب قواعد علم النحو كما علّمه اصوله ومبادئه ، ثمّ إنّ أبا الأسود الدؤلي وبالاستفادة من علم النحو هذا عمل على إعراب القرآن الكريم (6).

٥ ـ الإمام علي عليه‌السلام وعلم الكلام

يقول ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : إنّ علم الكلام هو أشرف العلوم وقد اقتبسه العلماء من الإمام علي عليه‌السلام (7).

ويقول الإربلي في كشف الغمّة إنّ أئمّة الكلام يعني الأشاعرة ، المعتزلة ، الشيعة والخوارج ، كلُّهم ينتسبون إلى ذلك الإمام (8).

6 ـ الإمام علي عليه‌السلام وعلم الفقه

مضافاً إلى فقهاء الإمامية الذين أخذوا فقههم من الإمام علي عليه‌السلام نرى أن أحمد ابن حنبل أخذ فقهه من الشافعي ، والشافعي أخذ فقهه من محمّد بن الحسن ومالك ، ومحمّد بن الحسن تعلم الفقه من أبي حنيفة ، وتعلّم كلٌّ من مالك وأبو حنيفة الفقه على يد الإمام الصادق عليه‌السلام ، وفقه الإمام الصادق عليه‌السلام ينتهي إلى جدّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام (9).

٧ ـ الإمام علي عليه‌السلام وعلم الباطن

يقول الدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني استاذ جامعة القاهرة وشيخ الطريقة في مقدّمته على كتاب «وسائل الشيعة» : «إنّ المشايخ وأصحاب الطريقة كالرفاعي ، البدوي ، الدسوقي ، الگيلاني وهم من أجلّة علماء أهل السنّة يصلون بطريقتهم إلى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ومنهم إلى الإمام علي عليه‌السلام ومنهم إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «انا مدينة العلم وعليّ بابها» (10) وهذه الحقيقة لدى العرفاء والتي تسمّى بعلم المكاشفة وعلم الباطن لم يملكها أحد سوى الإمام علي عليه‌السلام (11) ، وهناك شواهد كثيرة في أكثر كتب أهل السنّة على اختصاص الإمام علي عليه‌السلام بهذا العلم ، وكمثال على ذلك نرى أن عمر بن الخطّاب عند ما أراد استلام الحجر قال : اقبّلك وإنّي لأعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولكن كان رسول الله بك حفياً ، ولو لا أنني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

فقال له الإمام علي عليه‌السلام : بلى ، والله إنه ليضرّ وينفع ، قال : وبمَ قلت ذلك يا أبا الحسن؟ قال : بكتاب الله تعالى. قال : أشهد أنك لذو علم بكتاب الله تعالى ، فأين ذلك من الكتاب؟ قال : قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) … فلمّا أقروا له بالربوبية كتب أسماءهم في رقّ وأودعه هذا الحجر ثمّ قال له : اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة … فقال عمر : لا عشتُ في امّة لست فيها يا أبا الحسن (بتلخيص).

٨ ـ الإمام علي عليه‌السلام وخلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

لقد اتّضحت من خلال الأبحاث السابقة للقارئ الكريم هذه الحقيقة ، وهي : أن الشخص الذي يعترف الجميع (الموافقون والمخالفون والأصدقاء والأعداء) أنه أعلم الناس وأفضلهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو اللائق لمقام الخلافة والإمامة بعد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير ، ولهذا ورد أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر في خطبته الغرّاء في غدير خمّ هذين المطلبين (المرجعيّة العلميّة والخلافة) وقال :

«مَعاشِرَ النّاسِ! هذا اخِي وَوَصِيّي وَواعِي عِلْمِي وَخَليفَتِي» (١2).

والتأمّل والتفكّر بهذه الخصوصيات الأربع المذكورة في هذا الحديث الشريف تبيّن حقائق كثيرة لطلّاب الحقيقة :

١ ـ «أخي» : فلو أن الإنسان أراد إظهار احترامه وتقديره لمن يكبره في السنّ فإنه يعبّر عنه بكلمة «أبي» وعند ما يريد إظهار المحبّة والعاطفة بالنسبة إلى من هو أصغر منه سنّاً فيقول عنه «ابني» وعند ما يريد إظهار العلاقة والمحبّة لمن يكون رديفه في السنّ فإنه يعبّر عنه بأنه «أخي» لأن الاخوة المعنوية تعني الارتباط الروحي القريب بين شخصين على أساس المساواة ، وعليه فإنّ عبارة «أخي» في الحديث الشريف تتضمن حقيقة كبيرة ، وهي أن الإمام علي عليه‌السلام في واقعه وشخصيته يساوي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن شخصيته تقترب إلى حدٍّ كبير إلى شخصية الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعبارة اخرى إنّ كلمة «أخي» تتضمن المفهوم والمعنى الذي ورد في آية المباهلة «أنفسنا وأنفسكم».

٢ ـ «وصيّي» : طبقاً لعقيدة أهل السنّة فإنّ الأنبياء لا يورثون ، وعليه فإنّ الإمام علي عليه‌السلام لا يكون وصيّاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مجال الأموال والثروة ، ونعلم أن النبي لم يخلف من ذريته عند وفاته سوى فاطمة الزهراء عليها‌السلام ولذلك لا معنى لأن يكون الإمام علي عليه‌السلام وصيّاً على أبنائه وذريته ، وعلى هذا الأساس فإنّ الإمام علي عليه‌السلام وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسائل المتعلقة بالدين ، أجل إنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ولغرض تكميل واستمرار الدعوة السماوية والدين الإلهي جعل من الإمام علي عليه‌السلام وصيّاً له على هذا الأمر.

٣ ـ «واعي علمي» : «وعى» على وزن «سعى» ويراد بها كما ذكر أهل اللغة : حفظ الشيء في القلب ، أي أن يتفكر الإنسان في شيء معين ويحفظه في قلبه ويجعله نبراساً له ومصباحاً يضيء طريق حياته ، وعليه فإن الإمام علي عليه‌السلام قد وعى جميع العلوم النبوية والمعارف الإلهية وجعلها تحت اختيار المسلمين ليستضيئوا بنورها ويسلكوا في خطّ الهدى والعقيدة والرسالة بضوئها.

فهل يصحّ مع وجود مثل هذه الشخصية الممتازة أن نقلد امور الخلافة وزمام تدبير الامّة بيد شخص آخر؟

٤ ـ «وخليفتي على من آمن بي» : وفي الحقيقة إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الجملة ـ التي تعتبر نتيجة منطقية للجملات الثلاث المتقدمة ـ لم يدع ذريعة واحدة للمخالفين ، وأعلن بصريح العبارة للعالم أجمع استخلافه للإمام علي عليه‌السلام من بعده ، فلم يكتف صلى‌الله‌عليه‌وآله بكلمة «خليفتي» لئلّا يقول أهل البدع والأهواء «إن مراد النبي هو الوصاية على الأهل والأولاد لا الخلافة على المسلمين» ، فقد بيّن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بصريح العبارة وبأفضل بيان خلافة وإمامة الإمام علي عليه‌السلام وأولاده على جميع المسلمين إلى قيام القيامة.

النتيجة : انه بالرغم من أن الضروري هو التأكيد على مرجعيّة أهل البيت عليهم‌السلام العلميّة وعلى رأسهم الإمام علي عليه‌السلام ، إلّا أنّ فصل مسألة الإمامة عن الخلافة أمر خطير وخطأ كبير ويترتب عليه لوازم سلبية كثيرة لا يلتزم بها أحد.

_______________________________________________

(1) مستدرك الصحيحين : ج ٣ ، ص ١٢٢ ، وكنز العمّال : ج ٦ ، ص ١٥٦ ، والمرحوم التستري في إحقاق الحقّ : ج ٦ ، ص ٥٢ و ٥٣ ، إضافة إلى المصدرين المذكورين وردت هذه الرواية في أربعة كتب اخرى أيضاً.

(2) الاستيعاب : ص ١١٠٩ والاحتجاج للطبرسي : ص ٢٣٩.

(3) صحيح الترمذي : ج ٥ ، ص ٦٣٧ (نقلاً عن نفحات القرآن : ج ٩) وهناك روايات كثيرة بهذا المضمون ، ولكن بما أن الرواية أعلاه ذكرت كلمة (الحكمة) فقد أوردناها خاصة ، والروايات الاخرى من قبيل «أنا مدينة العلم وعلي بابها» مستفيضة وقد أورد منها في البحار : ج ٤٠ ، ١٢ رواية في هذا المعنى.

(4) الاتقان : نوع ٨٠ ، طبقات المفسّرين.

(5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١ ، ص ١٨ و ١٩.

(6) طبقات النحويين : ج ٧ ، ص ١٤.

(7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١ ، ص ١٧.

(8) كشف الغمّة : ج ١ ، ص ٢١.

(9) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١١ ، ص ١٨.

(10) تفصيل الكلام فيما يتعلق بعالم الذر في التفسير الامثل : سورة الأعراف ، الآية ١٧٢.

(11) كيهان فرهنگي : الرقم ١٨٤ ، ص ١٦.

(١2) الغدير : ج ٣ ، ص ١١٧.


لینک کوتاه : https://alnakhil.ir/?p=12946

برچسب ها

اخبار المتشابه